وأخرجهم من الأمية إلى نور العلم والعرفان ، فقد طلب إليهم كتابة القرآن ،
واتخذ كتبه للوحى ، وكتب كتبا دعا بها الملوك والرؤساء إلى الإسلام فى سائر
الأصقاع المعروفة ، فانتشرت الكتابة بينهم ، وعظمت مدنيتهم ، وامتدت سلطتهم ؛
فملكوا الأمم التي كان لها السلطان والصّولة والنفوذ فى تلك الحقبة.
كذلك علّمهم
الحكمة وأرشدهم إلى البصر بفهم الأشياء ، ومعرفة أسرارها ، وفقه أحكامها ، وبيان
ما فيها من المصالح والحكم ، وهداهم إلى طرق الاستدلال ، ومعرفة الحقائق ،
ببراهينها ، فكان ذلك من أكبر البواعث على العمل بها ، والتمسك بأهدابها ، ما
استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
والخلاصة ـ إن
تعليم الكتاب إشارة إلى معرفة ظواهر الشريعة ، وتعليم الحكمة إشارة إلى فهم
أسرارها وعللها وبيان منافعها.
(وَإِنْ كانُوا مِنْ
قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي وإنهم كانوا قبل هذه البعثة فى ضلال بيّن واضح ، ولا
ضلال أظهر من ضلال قوم يشركون بالله ويعبدون الأصنام ويسيرون وراء الأوهام ، وهم
على ذلك أميون لا يقرءون ولا يكتبون حتى يعرفوا حقيقة ما هم فيه من الضلال.
وإنما جعلها منة
لكونها وردت بعد محنة ، فكان موقعها أعظم ، إذ أن بعثة الرسول جاءت بعد جهل وبعد
عن الحق ، فكانت أعم نفعا وأتم وقعا.